مهما كانت مشاعرنا إزاء نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ومدى تخوفنا من مدى استعداد المصريين لممارسة الديمقراطية بوعي كاف، فالواقع أن مصر ما بعد الثورة تغير فيها شيء واحد يكمن فيه الأمل كله: الإنسان المصري وطبيعة مشاركته في الشأن العام وفي توجيه سياسة وطنه.
سوف أشرح لك علاقة ما سبق بعنوان هذه التدوينة. يوم أمس الأحد دعاني صديق مصري للقاء جماعة من المصريات والمصريين المقيمين بشيكاغو وبعض المدن الأمريكية الأخرى، ما بين مصريين أمريكين مولودين بالولايات المتحدة، ومهاجرين، ودارسين. كانت هذه الجماعة قد التقت بالفعل عدة لقاءات ماضية ولحقت أنا بهم للمرة الأولى. أما هدف اللقاء فهو شيء واحد يجمعنا: نريد أن نفعل شيئاً من أجل مصر. لا أعني شيئاً عابراً، ولكننا نريد إرساء وإنشاء كيان يتيح لنا وللمصريين المغتربين أن يخدموا مصر بطرق مختلفة (وهو محل نقاشاتنا الحالية). هذه الجماعة ما كان لها أن تلتقي لولا التغير الذي طرأ على مصر بفضل الثورة: وهو شعور المصريين أنه حان الوقت والظرف الذي يتيح لنا أن نتحول من شاكين وناقمين وحزانى على حال بلدنا إلى فاعلين ومحاولين. هو خروج من السلبية إلى الإيجابية. من الضيق بما "يفعل بنا"، بضم الياء، إلى ما يمكن أن نفعله نحن. فمهما كانت جهود الثورة المضادة أو عدم إتيان الرياح بما تشتهي السفن، فالمصري اليوم مشارك إيجابي بعد أن ظل مشاهداً سلبياً لعقود طويلة، غاية ما يفعله الكلام والتفكير والغيظ والهم، والشعور بالعجز!
هذه الإيجابية - مقيماً كنت أو مغترباً - واستمرارها هي الضمان الوحيد لمستقبل مصري أفضل من كل ما سبق.
وعلى ذكر المصريين في أمريكا، فسوف أختم بحادثة طريفة لم أحضرها وإنما سمعتها من أحد الأصدقاء الحاضرين. فقد خرجت جماعة من الشباب المصري منذ يومين ومعهم سيارة ودراجة. أرادوا الذهاب في رحلة بعيدة لا تصلح لها الدراجة، فقررت الجماعة وضع الدراجة في السيارة ثم التوكل على الله. وفي يوم مزدحم تبحث فيه السيارات عن موقع شاغر للركن، رآهم رجل أمريكي وهم يهمون بالخروج فتوقف بسيارته منتظراً لاقتناص موقعهم. طال انتظار الرجل طويلاً، ربما ثلث الساعة، وهو لا يدري أن جماعة المصريين يحاولون إدخال الدراجة في السيارة - كل هذا الوقت - دون جدوى! خرج إليهم ورأى مشكلتهم، فقام بحل المشكلة في دقيقة واحدة ووضع الدراجة داخل السيارة! حين سألهم الرجل: "من أين أنتم؟"، تطوع صديقي بسرعة بديهة تدعو للإعجاب وقال له: "من تل أبيب!". لم يحب صديقي أن يشوه صورة المصريين بعد إعجاب العالم بهم حتى لا يظن الرجل بهم الغباء، وألصق التهمة بجيراننا! ومهما كان رأيك في أمانة صديقي الفكرية في هذا الموقف، فهو لم يفعل ما فعل إلا بدافع وطني خالص!
هناك تعليقان (2):
جميل جدا ,,
أتمنى إنك تجعلنا على تواصل مع توصلتم إليه من أفكار حتى عن طريق تنويهات على المدونة هنا ,, وأتمنى فعلا إن كل المغتربين يكون ليهم دور مؤثر في عدة مجالات الفترة اللي جاية إن شاء الله :)
ان شاء الله يا كريم اول ما نوصل لرؤية واضحة هنعمل صفحة على فيس بوك وموقع على النت واكيد هنحتاج نكون على تواصل مع الناس كلها وبالذات الشباب في مصر ان شاء الله
إرسال تعليق