الثلاثاء، ديسمبر 20، 2005

ما خلف الوجه

رأيت على سي ان ان تحقيقاً قصيراً عن رجل اسمه ديفيد ولد بعيب خلقي واضح في وجهه، ورم حميد جعل جانباً من وجهه يتورم ويغير من خريطة الوجه بأكملها حتى تحول إلى شكل غريب منفر للناظرين. في التحقيق رأينا كيف أن ديفيد يستخدم عاهته في خلق المال والشهرة، يعني كيف يجعل منها عمله، ويقدم لنا في ذات الوقت نموذجاً عبقرياً على كلمة نرددها كثيرا، ألا وهي الرضا. والرضا عندنا غالباً ما يشير إلى حالة سلبية من قبول الواقع. أما رضا ديفيد ببلائه في وجهه، الذي هو من أعز ما يملكه الإنسان في حياته الدنيا، ليس خاضعاً للواقع ولا كارهاً له ولا حتى ساعياً لتغييره، لأنه يدرك تماما أن واقعه السيء لا سبيل لتغييره. فهو يقدم عروضا كوميدية للأطفال والكبار يستخدم فيها غرابة شكله لتوصيل رسالة عميقة للناس في إطار فكاهي. يعني هو لا يبتذل عاهته بل يقدم من خلالها معنى جميلاً من خلال نموذج ملموس وصارخ. والمعنى ببساطة هو أن الانسان في حقيقته ليس هو ما تراه في ظاهره. في التحقيق ظهر ديفيد وهو يقدم أحد عروضه لأطفال مدرسة ابتدائية. في البداية، يقول ديفيد، يشعر المتفرج بالرهبة والدهشة أمام مظهر وجهه، غير أن هذه الرهبة تزول بعد بضع دقائق من بداية العرض، وتستطيع رؤية ذلك في وجوه الاطفال التي تحولت من النظر بشيء من الرعب والانزعاج للوجه الشائه إلى ضحك وحب للانسان الذي يرتدي هذا الوجه.

ما قاله ديفيد يعبر عن نفس صادقة خيرة وجميلة. فهو يقول أنه لا ينزعج من نظرات المارة، وهو يعرف تنوع ردود فعل الناس في الشارع الذين لا يعرفونه، فمنهم من يعلق عينيه بالوجه الغريب، ومنهم من يدير وجهه بعيداً انزعاجا أو خشية إحراجه. وهو يعلم كل ذلك ويتفهمه ويقول أنه سلوك إنساني طبيعي.وهو من شأنه أن يفعل نفس الشيء إذا رأى شيئاً غريبا عليه. هذا الرجل يوصل للناس من خلال عروضه ألا يتوقفوا في رؤيتهم للآخرين عند وجوههم أو ما ظهر منهم. فقد تستغرب شكل إنسان أو تعتقد أنه منفر ثم تحب هذا الانسان ذاته إذا ما اقتربت منه وعرفته. والعكس أيضا صحيح وشائع، فما أكثر من يتسترون بمظهر براق جميل على قبح داخلي لن يخفى على من يقترب بدرجة كافية تتيح له رؤية الانسان، شخصه وفكره وأخلاقه.

ذكرني الموضوع أيضاً بما قرأته لخبير التطوير الذاتي الأمريكي جاك كانفيلد، فهو يقول أن من الناس من يعترض على تحقيق المال مما يحب، بدلا من تبديد حياته عاملا للمال لوجه المال في مجال لا يحبه، بأن هواياته وما يحبه من أنشطة لا يمكن أن يجني من ورائه مالا بأي شكل. ويقدم أمثلة لطيفة، مثلا لاري كنج المذيع الأمريكي الأشهر يحقق ثروة من الكلام مع الناس، نفس الشيء مع أوبرا وينفري المليارديرة الأمريكية التي بدأت فقيرة من مجتمع فقير وفرص محدودة كأمريكية سوداء، ولكنها تحقق الملايين الآن مم؟ أيضا من مقابلة أشخاص جدد و"الرغي" معهم! وذكر المؤلف أيضاً مثل المرشد السياحي الذي يجني ماله من ممارسة هواية السفر ورؤية معالم المدن. قلت لنفسي ها هو شخص آخر يجني عيشه من آخر ما يمكن تصوره، من عاهة في وجهه.

ليست هناك تعليقات:

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أرشيف المدونة

مرحباً بالزائرين