تصور أنك تقضي حياتك وفي بيتك مجنون. كيف تكون هذه الحياة؟ إنك لا تأمن على شيء من أشيائك، قد تتركه سليماً وتجده بعد ساعة وقد تم قذفه من الشباك! وقد تجلس في أمان الله فتجد صفعة تضرب وجهك أو يداً تهبط فوق قفاك! سوف تجد الكتاب والكمبيوتر في المرحاض، والحذاء فوق مخدتك وتحت رأسك! سوف تفقد ذهبك في القمامة، ثم تجد القمامة تفترش الأثاث والسجاد، كلما ألقيتها في مكانها عادت تحيط بك من كل جانب، حتى تيأس وتتركها تعيش معك في سلام! وقد تنام يوماً في غرفتك وتستيقظ لتجد الغرفة مغلقة بالمفتاح، والمفتاح في الشارع، فتصبح سجيناً بين عشية وضحاها، ولا تعرف السبب!
هل يبدو السيناريو السابق وكأنه الكابوس؟ هو كابوس بالفعل، غير أن مصر بأكملها عاشته بحذافيره لعقود طويلة كئيبة. فما الذي أصاب بلداً عظيماً عريقاً بالجنون؟ إن الجنون جسد يتحرك دون عقل، ودون خطة. الجنون كائن عشوائي، لا تأمن ما قد يصيبك من أذاه في أي ساعة من ساعات الليل أو النهار. لقد أصبحت الدولة المصرية في عهد مبارك كياناً مجنوناً تحركه غرائز الحيوان ويفتقد لعقل الإنسان. فأكابر البلد قوم يعملون بشراهة لإشباع شهوات المال والسلطة، دون رؤية ودون تروي. وأذرع النظام الأمنية تتصرف بهياج وعنف حيواني مع كل خطر يهدد حياتها البهيمية. وقد تمكنت لوثة الجنون من الكيان المصري في السنوات الأخيرة حتى أصبح حالها شقاء لا يحتمله أي مصري عاقل، مقيماً كان أو مهاجراً.
أصيبت مصر بالجنون إذن حين غاب العقل والرؤية عن توجيه خطواتها، فأصبحت كياناً يتحرك بعشوائية، توجه مسيرته غرائز حيوانية. وعلاج مصر من هذا الجنون يتمثل ببساطة في إعادة العقل إلى "الرأس"، ورأس الدولة هي القائمين على توجيه وتخطيط أمورها.
ومع الجنون أصيبت مصر بمرض عضال آخر هو الشلل التام. فما هو الشلل؟ الشلل أن يكون لك عقل واع، وجسد عاجز. أن ينفصل العقل عن الجسد. هو وجه آخر للمرض الأول. لقد سيطر الجسد – الخالي من العقل - على مقدرات مصر، وتم إقصاء العقل وقمعه وإصابته بالشلل. فتوارت عقول مصر إلى الظل، عاجزة، مشلولة، ترى كل شيء، وتدرك سبل الإصلاح والعلاج، لكنها كانت كياناً مشلولاً تمام الشلل. عقل بلا رجل وبلا ذراع. فهم بلا أدوات. رؤية بلا طريق. عين ومخ دون جسد يتحركون به. روح بلا جسد، وكأنها ميت يراقب الحياة من العالم الآخر ولا يستطيع التدخل فيها والتأثير عليها. هكذا كان حال عقول مصر. العلماء والعقلاء والمفكرون وأصحاب الرؤية.
إن علاج مصر في المرحلة المقبلة سوف يتطلب إعادة العقل إلى الجسد، حتى يجد العقل جسداً ينفذ رؤاه، فينتهي الشلل، ويتحرك الجسد وفق خطة ورأس يوجهه، فيختفي الجنون! وتحيا مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق