السبت، نوفمبر 21، 2009

تأملات حول المشهد العربي الجنائزي (الاسم الحركي: المصري الجزائري)!

إن المشهد الراهن هو في حقيقته فصل في مسرحية عربية تعبر عن الموت، موت ظاهره صخب ونشاط وحركة، وباطنه من قبله العذاب والهلاك!

هذه تأملات سريعة، غير مرتبة من وحي هذا الفصل البائس. أنا كاتب كسول، ولا أر فيما أكتب رسالة عظيمة وإنما تعبير عن شخصي وفكري يقرأه جمهور قليل العدد. وكان من الممكن أن أتجنب الحديث عن الأحداث الحالية، فأنا لا أحب الكتابة تحت ضغط الأحداث ولا أعتقد أن ما أكتبه سوف يمسك زمام التاريخ ويحول وجهته عن هوة عميقة إلى ما فيه خير الناس! إلا أن نفسي قالت لي ما دام الله قد أعطاك عقلاً فعبر عما فيه، ثم ضعه في زجاجة وألقه في البحر! فقد تصل الزجاجة إلى إنسان واحد فتصله الرسالة! ولست وحدي من يلقي الزجاجات في البحار والمحيطات، ولكن هناك ألوف مؤلفة تعبر عما تظنه قول العقل والفطرة، بل والدين! ونحن في مأزق إنساني طالما صمت العقلاء يأساً ونعق الجبناء جهلاً! هذه بعض الملاحظات المبدأية، والله أعلم:

  • مصر والجزائر ترقدان فوق قمتين متساويتين في الفساد! ومن سمات الفساد الأولى الظلمات، والأقوال التي تخالف الأفعال، والكلمات التي لا تعبر عن حقائق النيات! وفي ظل هذه الظروف المؤكدة، والتي يشعر بها كل فرد من أفراد البلدين، فالمحقق أن خلف الأحداث كواليس لا ندري ما يدور فيها، مما يعسر كل محاولة للرصد والتشخيص لحقائق الأمور. ومن الحكمة ألا نتجاهل علامات الاستفهام!
  • من علامات المروءة الفكرية البحث عن الحق! والحق المجرد أمر صعب، فهو يتطلب في أكثر الأحوال إخراج النفس والمشاعر من قيود عاطفية وعقلية. والانفكاك عن القيد مؤلم كلما كان ضيقاً محكماً! تخيل يداً تربطها أساور من حديد تقيد حركتها، لو حاولت اليد مغالبة الحديد تألمت وتوجعت، فإن سكنت فيه زال الألم! ومن ثم فإنه علينا أولاً أن ننفض عن كاهلنا الرغبة في تأكيد ما نريد أن يكون حقاً، وأن نوطن أنفسنا على تقدير الحق أيما كان ومهما جانب أو تصادم مع مشاعرنا الآنية.
  • من طبائع الجهل أحادية النظر ورفض التعقيد. فالواقع مركب والأحداث تغلفها طبقات وظلمات. وشعاع النور الواحد يخفي في طياته ألوان كثيرة متباينة! ومن ثم فإن العقل التبسيطي مغرم برؤية الأبيض والأسود فقط. أما الحق فهو أكثر رحابة من ذلك. وفي الموقف الحالي فالعقل التبسيطي يميل لازداوجية صارمة: مصر والجزائر، شيطان وضحية. انتهى الأمر. هذه خلاصة واضحة وسهلة ومريحة. انتهى دور العقل في كلمتين فسهلنا عليه المهمة، ثم أرجأناه جانباً وأخرجنا مشاعرنا تمرح وحدها في راحة وبساطة! أما الرؤية المركبة فتفرق بين مجرم جزائري في السودان، ورجل في مصر يسمع عن مصريين محاصرين، وآخر في الجزائر يسمع عن جزائريين مقتولين، إلخ. ومن أسف أن شعوبنا العربية تتلوى بين جهل مطبق وأمية خالصة، وبين تعليم بسيط لقواعد القراءة والكتابة ودمتم، أو تعليم يمتد حتى الجامعة ولا يخرج منه الخارج إلا كما ينجو السجين من هم القيود العقلية والروحية. ثم قلة هنا وهناك أنعم الله عليها بسعة في العلم وسعة في الأفق. وفي ظل هذا الواقع الثقافي فمن المفهوم أن يحدث ما يحدث.
  • لأول مرة يخرج السيد علاء مبارك عن الظل والغموض ويتحدث، فنرى فيه متحدثاً لبقاً قادراً على استمالة قلوب المستمعين ببساطته. لكن المرء لا يملك إلا التساؤل، ألا تتحرك مشاعر ابن الرئيس الوطنية مع المصريين في مصائب أخرى كثيرة؟ إن الأمن المصري مارس ويمارس أنواع الإرهاب والعذاب ذاتها في أبرياء مصريين، فلماذا لا تتحرك معهم مشاعر الوطنية والغضب لأبناء الوطن؟ والله هو الأعلم بنيات العباد!
  • قد نظن أن الجموع الغفيرة لا تتحرك مشاعرها إلا في أمور دون أمور، فتتغاضى عن فساد يدمر البلاد ويجوع العباد، ثم تهيج فيما يخص الكرة. لكن الأمر غير ذلك تماماً. فالجماهير الغاضبة لم تغضب من أجل الكرة، لكن من أجل إخوان لهم في الوطن تعرضوا للضرب والإهانة. لكن الحق أنه من شأن هذه الجماهير ذاتها أن تتحرك وتهيج من أجل أمور أخرى ذات بال، فقط لو تعرضت لذات الشحن العاطفي من وسائل الإعلام. تصور هذه الجماهير ذاتها تشاهد البرامج التلفزيونية على الهواء لساعات وساعات، وتستمع لآلاف الآباء يعبرون عن قهرهم وهم عاجزون عن إطعام أطفالهم! ثم تعرض عليهم في ذات الوقت حقائق المليارات المنهوبة ومشاهد من حياة أغنياء الفساد وأنواع إنفاقهم! هل تتصور أن الجماهير الغفيرة على اختلاف ثقافاتهم لن تتحرك بنفس القدر من الغضب والهياج لو أعطاها الإعلام هذه الجرعة؟ لكن الجماهير للأسف تتحرك بالعاطفة الوقتية وليس بالعقل المتأني! ومن ثم فالجموع تتحرك في اتجاه الشحن العاطفي أينما كانت الوجهة، وإن كانت ضد مصالحها!

  • من طبائعنا نحن العرب أو الشرقيين أو الشرق أوسطيين، أو ما شئت أن تطلق علينا، سرعة هياج المشاعر ثم برودها وكأن شيئاً لم يكن! ولذلك فسوف تهدأ في ظني مشاعر الغضب بين الشعبين، وحتى هؤلاء الذين أطلقوا الشتائم والنعوت على الجزائريين الهمج والمصريين المنافقين... إلخ (لم أسجل جميع النعوت والصفات على الجانبين!) سوف تهدأ مشاعرهم وتعود لرؤية الصفات المشتركة بين الناس هنا وهناك، سوف يتذكر المصري صديقاً جزائرياً عرفه ويتذكر الجزائري أفلاماً مصرية نشأ عليها! حينها تعود الصورة الإنسانية للآخر وتحل محل التعميم. أما ما سوف يبقى هنا وهناك عند الناس فهو كراهة الفساد والحكومات التي أفسدت حياتهم وتفسدها كل يوم! إن مجرمي الجزائر في السودان أهانوا المصريين يوماً أو يومين، لكن لصوص الفساد يهينون المصريين كل يوم. والحال نفسه في الجزائر!

  • منطق العقل والفطرة والدين ذم المذنب، وفقط! والمذنب الحقيقي تجاه المصريين هو الحكومة الجزائرية التي أخرجت حثالة السجون وحرضتهم على الإفساد. والمصري يدرك أن عندنا من أمثال هؤلاء الغوغاء الكثير! تصور لو أخرجناهم من السجون، لفعلوا إذن مثلما فعل أشباههم في السودان أو أسوأ! والخلاصة أن الحكومات هي المجرم الحقيقي على الطرفين، وأن هوجة المشاعر مفهومة ووقتية، وأن علينا جميعاً إعادة توجيه تركيزنا إلى الحق.

  • إن الحياة رحبة واسعة، والناس في مصر والجزائر تستحق حياة أفضل. ومجالات العمل والجهاد كثيرة متنوعة، وبلادنا من شأنها - إن شئنا - أن تكون أجمل كثيراً مما هي عليه الآن. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وينشط الناشطون!

هناك تعليقان (2):

Rain_Drops يقول...

كل سنة وانت طيب يا شدو :)

Rain_Drops يقول...

دي العيدية بتاعتك يا عم شدو
http://www.4shared.com/file/25631495/ce03b31d/Enrico_Macias_-_Jai_Quitte_Mon.html?
عشان ما تقولش إني ما عيدتش عليك بس :)

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أرشيف المدونة

مرحباً بالزائرين