السبت، فبراير 02، 2008

شدو في الثانوية

كنت أنوي أساساً ذكر هذه القصة مع ما سبق من دوافعي للهجرة. غير أن لها جانباً آخر ودروساً أجدى وأشمل. وهي على كل جانب من تأملي في سيرتي الماضية وتعلمي مما مضى من أخطاء. وهي كذلك لا تخلو من طرافة ومن غرابة.

أما القصة فهي قصتي مع مرحلة التعليم العالي في مصر. وما قبلها يمهد لها ولا شك، لكنني لن أعرض لما قبلها الآن، عدا مرحلة الثانوية العامة، وهي-كما يعلم المصريون، أولهم وآخرهم، صغيرهم وكبيرهم-باب المرحلة الجامعية والدراسات العليا وبوابتها.

أما أن الثانوية العامة تقرر مصير تعليمنا الجامعي، فذلك واقع لا شك فيه وحقيقة مصرية لا جدال عليها. أما شخصي الضعيف-والعنيد أحياناً واللامبالي بالتقاليد كثيراً-فلم أرى أنه علي السير في القافلة التي ظلت طريقها. ولم أدرك بوضوح أن الخروج عن القافلة الضالة قد يجلب متاعب أكبر وضلال أصعب. تصور مثلاً أنك تمشي في الصحراء مع قافلتك وقد ضللتم الطريق. أسلم لك حينها أن تستمر مع الضالين فتضمن الصحبة والونس..إلخ، من أن تغادر وتسير وحدك إلى حيث لا تعلم!

حين رست بي سفينة التعليم في ميناء الثانوية العامة، رفضت في العام الأول أن أندمج مع الحياة في ميناء يغلب عليه القبح والغباء وغياب المعنى على وجه الخصوص. لقد تلكعت في الثانوية العامة ثلاثة أعوام كاملة! نعم، فرد "اتهمه" البعض بالعبقرية، ظل ثلاثة أعوام كاملة في الثانوية العامة المصرية! ولكيلا أطيل، فالذي حدث أنني قررت في بدايات العام الأول عدم دخول الامتحان من أساسه. ولم يستطع أحد إثنائي عن قراري! وفي العام الثاني دخلت الامتحان على مضض ورسبت. في العام الثالث لم أغير سيرتي: لم أنظر في كتاب ولم أحضر مدرسة ولا درساً خصوصيا، وفي منتصف الامتحانات كنت على وشك تركها نهائياً لولا توسلات أمي أن أذهب. فذهبت ونجحت بالكاد.

ثم جاءت النتيجة بمجموع باهت لا يغني ولا يدخلك أي جامعة تريد! قلت للعائلة أنني لن أدخل الجامعة، ولا معنى لدخول الجامعة أساساً لمجرد الحصول على شهادة. ما هذا الجنون، أبدد أربعة أعوام من عمري في دراسة شيء لا أحبه من أجل الحصول على ورقة! وقلت أيضاً أنني لو لم أجد موضعاً في دراسة مجال أهتم به، فسوف أواصل تعليم نفسي بنفسي ولا حاجة لي بالجامعات المصرية! لكن الحق أنه كان يقلقني شيء واحد، وهو قانون آخر من قوانين العبث في مصر. فأنا لو لم أحصل على شهادة جامعية فسوف أدخل الجيش ثلاثة أعوام كاملة، وتتم معاملتي بالطبع على هذا الأساس. ومع أن ضعف نظري يعفيني قانوناً من الخدمة، فإن ذلك لا يضمن لك شيئاً في بلاد تحتاج فيها لواسطة تتوسط لك لكي تحصل على حقك! وكانت عائلتي في ذلك الوقت قد بدأت تفقد كثيراً من نصيبها في "طبق الكوسة" المصري بعد أن تعثر نشاطها الصناعي، ومن ثم لم أكن أضمن الحصول على "حقي" في الإعفاء. والله وحده يعلم ما يمكن أن يحدث لو قمت بالخدمة! ماذا أفعل وأنا لا أطيق القيود، واختياري ينحصر بين قيدين؟! قيد دراسة عبثية من أجل الشهادة، وقيد خدمة مهينة لا معنى لها! لم أعرف. ولكنني لم أريد أن أدخل الجامعة باختياري من أجل هدف زائف.

ثم شاءت عناية الله أن يقدم لي حلاً وسطاً. فقد أتيح لي أن ألتحق بمعهد خاص للغات يعطي شهادة الليسانس. وكنت أحب دراسة اللغات الأجنبية، "فوافقت" على ذلك وتم لي الالتحاق بهذا المعهد. وهنا تبدأ القصة التي أردت قصها بداية. ولأن طاقتي في الكتابة أضعف من أن تعينني على المواصلة، فسوف أجعل ذلك في تدوينة قادمة بمشيئة الله ومعونته!

ليست هناك تعليقات:

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أرشيف المدونة

مرحباً بالزائرين