الخميس، ديسمبر 20، 2007

هدية بوسع الكون

لعلك تعلم أنه لا وجود للكون إلا من خلال وعي الإنسان به. وما لا نعرفه أو نعيه فهو في حكم المنعدم. فالوجود إذاً نسبي. وللكون تجليات مختلفة، بعدد أبناء آدم. فما هو حجم كونك الذي تحيا فيه؟ أواسع شيق، أم ممل ضيق؟

ينكمش كوننا أو يتسع جزاء لما نفعله ولما نفكر فيه. أرأيت كيف يزداد عالمك رحابة حين تقرأ كتاباً جميلاً، أو ترى فيلماً مؤثراً ومثيراً للعقل؟ ويرحب عالمك أيضاً كلما تواصلت مع إنسان يثريك الحديث معه والقرب منه، وحين تخرج نفسك من الحيز الضيق المألوف الذي تحيا فيه، وتنطلق إلى مكان جديد أو تجربة مختلفة. وتزيد أشكال ودروب الفن الجميل من مساحة عالمك الداخلي. والفنون الإنسانية، ومعها مظاهر الجمال في الكون تطل على حواس الإنسان المختلفة فتمر إلى داخل وعيه وإدراكه الوجودي وتبث فيه النعمة والبشرى. فالموسيقى أو التلاوة الجميلة للقران تطرب السمع، والصور البديعة والرسم، أو الطبيعة الجميلة تسر البصر، والعطر وروائح الزهور تتمتع بها حاسة الشم، والجو اللطيف ونسائم الهواء تلامس جلدك فتبث في نفسك نشوة لا تعرف لها كنهاً يصفه الكلام. وكل هذه الحواس هي كالروافد للنهر الذي تجري به حياتك ويسبح فيه وعيك وشعورك، فهي جميعاً، على اختلاف طبيعتها، تصب في وجودك أنت وخبرتك بالعالم. ويختلف الإنسان عن النهر في كونه يتحكم في هذه الروافد إلى حد بعيد، وله أن يصب فيها ماء فاسداً ملوثاً، أو ماء نقياً مثمراُ. وله أيضاً إن شاء ألا يصب شيئاً بالمرة، حتى يجف النهر وتتشقق أرضه جوعاً وعطشاً!

لكنك لا تنجو مما تجهل بتعاميك عنه وغفلتك عن وجوده. ولن يكون لك أن تنهل من خير غاب عنك حضوره. فإن الطوفان الذي يسرع الخطى نحو بيتك لن يتغاضي عنه لأنك لم تعلم أنه في الطريق. ولن يكون لك نصيب في كنز دفن تحت أعتاب بيتك إن لم تسأل عنه تراب الأرض، وتحفر وتستكشف!

فما تعطي لنفسك؟ وما تهدي غيرك إن أردت عطاءً لحبيب أو قريب؟

أعطهم وإياك ما يرحب به عالمهم. أعطهم ما تلذ به عقولهم، وتلين به قلوبهم، وتصح به أجسامهم. أعطهم ما ينفعهم بعد فناء اللحظة وفتور الزمن. فلسوف تتوقف الأرض عن الدوران، وتكف الشمس عن الشروق في كل صباح. استمع لقول ربك وهو يقول لك أن تفعل وتعطي ما ينفع الناس، فيمكث في الأرض. فلسوف يذهب الزبد جفاء. سوف يفنى مال أنفقته في لذة لحظة تخلف ضرراً أو لا تصلح عملاً. وما ينفعك أو ينفع غيرك برشفة سيجار أو التمخطر بآخر موديل من محمول أو مركوب؟! لن يجني منه إنسان غير ماء في لفحة القيظ مسكوب!

ليست هناك تعليقات:

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أرشيف المدونة

مرحباً بالزائرين