الأحد، ديسمبر 16، 2007

لماذا هاجرت: خيانة الثقة

اليوم أستكمل ذكر الأسباب التي ساهمت في اتخاذي لقرار الهجرة خارج مصر.

قالت لي خبرات مختلفة أن ميلي لتصديق الناس حين يحلفون ويؤكدون صدق ما يدعون قد يمثل لي مشكلة حياتية في مصر، لا سيما حين قضاء المصالح والتعامل مع ما لا بد منه من متطلبات العيش. لابد أنه مما ساهم في خبرتي بهذه الأمور أنني عشت في أسرة تعمل في التجارة والصناعة. كنت مثلاً أرى أخي الأكبر في تعاملاته مع من يقدمون خدماتهم الحرفية المتخصصة، وكيف يؤكد له الحرفي ويحلف أنه فعل كذا وكذا، وأتعجب من أخي لماذا لا يصدق رجلاً يحلف أمامه بأغلظ الأيمان، ويصر على مراجعة العمل بنفسه، فتأتيني أنا الصدمة حين أجد أخي وقد راجع فوجد الرجل كاذباً في يمينه، وعمله، الذي هو صنعته وحرفته ومجال خبرته، ناقصاً معيباً. فأقول لنفسي وما أفعل أنا لو دفعتني الحاجة لاستخدام خدمات مثل هؤلاء الناس، فيما لا أفقه ولا أحسن من مجالات الحياة المختلفة؟! ما أفعل إذا كنت لا أستطيع تصديق الخبير وائتمانه على ما يفعل فيما يفقه ويعلم؟! وكيف لي أن أفقه كل شيء وكل مجال، والحياة لن تخلو من حاجة الإنسان لأهل الخبرة والعلم في مجالات متباينة؟!

هذا عن أهل الحرف. فما بالك مثلاً بطبيب يولد زوجتك؟ في ذاكرتي أيضاً موقف مشابه لأخي الأكبر ذاته، وقد حباه الله بقدرة على استيعاب مجالات مختلفة. فقبل تفرغه للصناعة، درس أخي الطب وعمل فيه بعض الوقت. أذكر حين ولادة ابنته الأولى أن الطبيب أراد إجراء ولادة قيصرية. فرفض أخي وأصر على الرفض، حتى حين أكد الطبيب أن ذلك قد يمثل خطراً على صحة الأم. قال له أخي حسناً وأنه سوف يتحمل مسؤلية ذلك. فما حدث؟ تمت الولادة طبيعية ونجت الأم من إجراء جراحة كانت في غنى عنها. وعلمت أن ذلك أمر شائع بين أطباء النساء والتوليد، لتوفير الوقت. والأدهى أنني حين جاءت لزيارتي ابنة أختي منذ شهور قليلة، أخبرتني أن كل من تعرف من نساء يلدن بعملية قيصرية. فتأكد فزعي أن ما فررت منه واقعاً لا وهماً. فقد فعلت كعادتي، وضعت نفسي في ذات الموقف، وتخيلت طبيباً يؤكد لي أن زوجتي يجب أن تجري ولادة قيصرية وإلا تعرضت للخطر، فهل أستطيع وأنا لا أفقه في الأمر شيئاً أن أكذب الطبيب مثلاً، وأخاطر بصحة زوجتي؟! وفي ذات الوقت، ما أدراني أنه لا يكذب!

هذا هو الوباء الذي رأيت أنني لابد أن أفر منه فراري من مدينة يتهددها الطاعون.

هناك 6 تعليقات:

Rain_Drops يقول...

على فكرة يا عم حمادة هتلاقي نفس النماذج دي في كل مكان هتروحه بس انت اللي ممكن ماتاخدش بالك ، صحيح عندنا بقت ظاهرة منتشرة بس دا سببه اقتصادي في الأساس ، الانهيار الاقتصادي كان لازم يتتبعه انهيار أخلاقي

Mohamed Shedou محمد شدو يقول...

أتفق معك طبعا أن هذه النذالة المهنية موجودة في كل مكان

ولكن تذكر أيضاً انني أحكي دوافع الهجرة. لم يكن كل ما ظننته عن الهجرة حق، وقد اجد في هجرتي بعض ما فررت منه
وقد يمتد الحديث حتى أصل إلى هذا ان شاء الله

ولكن تظل الصورة في مصر أشد قتامة يا صديقي
!

إبراهيم عبد الغني يقول...

أعتقد أن الأمر له علاقه بالخوف على الجنين و ده بيأثر على سمعه الدكتور بصورة مباشرة لو حصل إن الجنين مات فى بطن أمه
فتكون النتيجه إن الدكتور يصر على الجراحة لتأمين سمعته قبل ماله
و كما يقال فى مصر
الصيت و لا الغنى
هذه مشكله إجتماعيه ليس الطبيب وحده سبباً فيها
و ربنا يطلعنا منها على خير :D

Mohamed Shedou محمد شدو يقول...

نعم ولكنها مشكلة مخيفة
والنساء يلدن في كل بلدان العالم ولادة طبيعية
اما أن تكون الولادة القيصرية هي القاعدة فإن ذلك أمرا يثير القلق يا دكتور
لا سيما وان من تلد ولادة قيصرية فلن تستطيع ان تلد ولادة طبيعية بعدها

قلم جاف يقول...

قيل لي أثناء فترة خدمتي في التعليم أن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة ، وهو نفس الإكليشيه الذي علمناه عن ظهر قلب ..

ثم اكتشفت الحقيقة المرة أن صحة التعبير هي : العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة وهذا صحيح..

فبمقياس العملة ، يمكن بالفعل فك فاسد واحد بألف شريف.. يعني لو عرفت واحد شرير وفاسد وحرامي حيبوظلك كل معلوماتك عن الناس حتى ولو عرفت ألف واحد طيب..

والأمثلة كتيرة ..

لما يهاجر ألف مدرس محترم لأي دولة عربية حيدفعوا تمن اللي عمله واحد فاسد وهبوش ..

لما تنقرص من أحد أنصاف الأطباء ، أو أرباع المحامين ، أو أخماس البيروقراط ، ولا ألف واحد كويس حيصلحلك الصورة..

Mohamed Shedou محمد شدو يقول...

قلم جاف

هنالك مثل اخر ان تفاحة واحدة في سلة التفاح تفسد كل التفاح السليم
!

ولكنني يا صديقي لا أعتقد أن الفساد عندنا واحد في الألف أبداً أبداً
إن نسبة الفساد في البلاد المتقدمة أكثر من واحد في الألف
ومع ذلك يتقدمون، لان نسبة الواحد أو العشرة في الألف نسبة قليلة ولا تفسد مجتمعاً

لكي يحدث كل هذا الفساد الذي نراه والغش وضياع الثقة فلابد أن تكون نسبة الفساد، في رأيي، مقتربة من النصف أو أقل قليلاً
!!

والله أعلم

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أرشيف المدونة

مرحباً بالزائرين