الأحد، ديسمبر 16، 2007

البقاء في الأرض

قال لي: رأيت في منامي شيئاً عجبا.

قلت: ينام الإنسان فيموت وعيه، ويولد في نوع آخر من الوجود، غير خاضع لما نعرف ونألف من قوانين الحياة على هذه الأرض. فماذا رأى وعيك في هذا العالم البعيد؟

قال: رأيتني جالساً بين يدي رجل لا أرى له وجهاً ولا ملمح، وكأنه خبير في التنبأ بأعمار الإنسان. كان جالساً إلى جهاز آلي، مما أسماه مخترعوه كمبيوتر وأسماه مستخدموه بالحاسوب، فكأنني سألته عن عمري، أو أنه هو تطوع لكي يخبرني كم من السنين سوف أعيش على هذه الأرض.

قلت: أما إن هذا لفيه تشويق وطرافة، أرجو ألا تكون قد استيقظت من منامك قبل أن ترضي فضولك؟

قال: لا، بل سمعت منه ما قال، وإن لم أكن أذكره تمام التذكر. أخبرني أنني سوف أعيش ثلاثمائة عام، أو ثلاثة آلاف عام، أو ثلاثمائة ألف عام! هو رقم فيه ثلاثة، غير أنه رقم خرافي، ليس مما يعرف الإنسان، وهو بالتأكيد ليس تنبأ دقيقاً بعدد السنين التي سوف أدب فيها على هذه الأرض!

قلت: نعم فإنه لا يعيش إنسان مثل هذا الزمن الطويل. ولو عاشه لكان بائساً يستحق الشفقة ولا يجوز عليه حسد أو غبطة. أما معنى الحلم يا صديقي، إن صدقت الرؤية، فقد لا يكون في عدد سنين عمرك. ربما سوف تفعل شيئاً يبقى من بعدك في الأرض، فيعيش عملك وأثرك مئات أو آلاف السنين بعد أن يتوارى جسدك تحت التراب، ويلقى مصيره الذي لا يفر منه إنسان حي.

قال: هذا فأل حسن. غير أني عشت في هذه الأرض عمراً طويلاً وزمناً فاتراً عقيماً. فما أنتجت عملاً باقياً ولا فعلت ما يستحق أن يبقى في الأرض مئات السنين.

قلت: يا صديقي، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. وإنه لا يبق في الأرض غير ما ينفع الناس. ولو أراد الله بك الخير فسيضع في قلبك حباً للخير وحباً للحق وحباً للخلق. وإن قلباً ينبض صادقاً بحب الناس، وإشفاقاً على آلامهم وضعفهم ورغبة في خلاصهم من الهم والبؤس، لهو قلب تولد منه الأعمال الباقيات. وما يبق عند الله خير من كل تراب الأرض. فاسأل ربك أن يغفر لك ذنبك، ويتولى عنك ما أقبل من عمرك وعملك!

ليست هناك تعليقات:

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أرشيف المدونة

مرحباً بالزائرين