الأربعاء، أكتوبر 03، 2007

رسالة في حلم

فيما يرى النائم، رأيتني متخذاً مجلسي على الأرض وسط نفر قليل من الرجال، في جو يوحي بالتواضع والبساطة الشديدة. يلتف الجمع الصغير حول قطعة قماش على الأرض وفوقها بعض من طعام، في إحدى ليالي العيد. على يميني هيئة غير واضحة المعالم لرجل يرتدي جلباباً أبيض، أعلم في الحلم أنه رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم. وعن يساري رجلان أو ثلاثة لا أعرفهم. كنا نهم بالأكل، فإذا بالرسول يلفت انتباهنا لرجل غير ظاهر، يبدو أنه جالس في الخلف، ويأمرنا أن نطعمه فهو الأولى، كونه فقير. مددت يدي إلى حافظة نقودي أبحث عن بعض مال من حق هذا الفقير كي أؤديه إليه، وأخذتني به الرحمة فانخرطت في بكاء غزير، ثم انتهى الحلم على هذا البكاء.

لا أذكر تماماً متى كان هذا الحلم، ولكنه من تلك الأحلام التي تبقى في الذاكرة لا تبرحها، مع بساطة أحداثه وقلتها. أثبته هنا تدبراً لرسالته، ومحاولة لتذكرها والعمل بها. وقد يرى فيه غيري ما لم أستطع أنا رؤيته.

ما أكثر ما ينسى الإنسان نفسه إذ تستولي عليه تفاصيل حياته اليومية، ومشاكله الذاتية، ورزقه وأمانيه. ولا نحسبن أن ذلك من تذكر الإنسان لنفسه، بل العكس تماماً هو الأصح. فالإنسان كلما أحاطت به أنانيته ذهل عن ذاته وانفصل عن نفسه. ولا يعود المرء للتواصل مع ذاته والتصالح معها إلا بالنظر في الكون والهم بأحوال الدنيا والناس. قد يكون ذلك أن من صلب رسالة الإنسان على الأرض وأسباب زيارته لها كونه مستخلفاً فيها. والخليفة مطالب، بحكم الوظيفة، بالاهتمام بأحوال رعيته. والكل راع ومسؤل عن رعيته كما أخبر نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.

هاكذا كان بكائي في الحلم بكاء التائه، الذي انتبه فجأة لحقيقة ما غفل عنه من تيه نفسه. فعادت النفس من ضلالها وأفاقت على وجود مثل هذا الفقير الذي هو إنسان مثلنا له نفس مثل ما أن لنا نفس. ومن ظلم النفس أن نحفل بآمالانا وآلامانا ونعرض عن حق المحرومين في خيرات الأرض وضرورات العيش. ما أقبح غفلتنا عن حقوق الخلق.

ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين...

ليست هناك تعليقات:

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أرشيف المدونة

مرحباً بالزائرين