الجمعة، يوليو 06، 2007

أزهري عبقري

هذه حكاية واعظ مسيحي أمريكي تحول للإسلام، وما لفت نظري في قصته شخصية مصرية مجهولة ولكن عبقرية. دعني أولاً ألخص لك القصة كما حكاها يوسف إستس، وسوف أخبرك في نهاية التدوينة عن مواقعه الكثيرة على الانترنت حيث تستطيع الاستماع إلى هذه القصة، وغيرها، أو مشاهدتها بنفسك
لم يتغير نشاط يوسف إستس كثيراً، فهو في جوهره دعوة إلى الخالق. كان هو ووالده يعملان بالدعوة، وكان لهما أعمال تجارية أخرى بجوار ذلك. ذات مرة قال له والده أنهم سوف يعملون مع رجل مصري أزهري، ومسلم. لم يستسغ يوسف فكرة العمل مع مسلم. قال له والده ألا يتعجل حتى يتعرف على الرجل، فهو رجل دمث لطيف. في لقائه الأول مع محمد المصري الأزهري، كانت مفاجأة يوسف الأولى أنه وجد رجلاً عادياً يرتدي ملابس إفرنجية لا توحي أنه شيخ مسلم. حين جلس إليه، ابتدأه بالحديث في الدين، وهل يؤمن بالله وبأنبياء العهد القديم والجديد. كانت الإجابة بنعم، ثم سأله إن كان يؤمن بعيسى، وكانت الإجابة بنعم كما تعلم. كانت الإجابات مفاجأة للواعظ المسيحي، وقال في قرارة نفسه سوف يكون أمر تحويل هذا الرجل عن دينه أمراً يسيراً، وقبل العمل معه. ثم أتى عليهم شهر رمضان، فعلم يوسف من محمد أنه سوف يقيم في المسجد. يقول يوسف أنه ظن حينها أن الرجل لا يجد مأوى يبيت فيه، ولذلك يبيت في المسجد، فعرض عليه أن يضيفوه في بيتهم. في البداية رفض محمد العرض قائلاً أنه يريد أن يقيم في المسجد. ألح يوسف، وعرض على محمد أن يدفع ثمناً زهيداً لقاء الإقامة معهم على أن تشمل الإقامة وجبات الطعام أيضاً، فعل ذلك ليجنب الرجل حرج الإقامة مجاناً وفي ذات الوقت ليغريه بالسعر القليل وبالطعام المجاني. تنازل محمد عن فكرة الاعتكاف وقبل الإقامة مع يوسف وعائلته. ظن يوسف وقتها أنه نجح في إغراء الرجل، ولم يكن يدرك أن الرجل الذكي يريد أن يعيش مع العائلة في بيتها كي يفهم ثقافتهم وحياتهم. وأقام معهم محمد. يقول يوسف أنه طيلة هذا الوقت كان يكلم محمد ويحاول اجتذابه لدينه، وكان هو المتكلم أغلب الوقت، وكان محمد المستمع، إلا قليلاً. حين عرض عليه يوسف التحول عن دينه، لم يرفض محمد الفكرة، وقال ليوسف أنه سوف يتحول لدينه لو اقتنع أن ما لدى يوسف أقوى حجة. كان رد يوسف أن الدين إيمان لا برهان عقلي، فكان تعقيب محمد أن الإسلام برهان عقلي وإيمان، كليهما معاً. أثناء إقامة محمد، أتى يوسف بقس أجنبي كان يدعو لله ثم ساءت ظروفه ودخل المستشفى ثم أحيل إلى مأوى من لا مأوى لهم، وكان يوسف قد قابله في المستشفى، فبحث عنه حتى أنقذه من ويلات المأوى وأتى به إلى بيته. وكان محمد يقيم معهم في تلك الفترة، ويرى أحاديثهم وخلافاتهم فيما بينهم حول أي نسخة من كتابهم هي الأولى بالتصديق، فيعلق تعليقاً بسيطاً أن في الإسلام كتاب واحد لا خلاف عليه، وأنه باللغة الأصلية التي نزل بها. وكانوا يحاولون إقناعه بدينهم، فيستمع إليهم كثيراً ويتكلم قليلاً. المهم، انتهى الأمر بتحول القس الغريب إلى الإسلام، ثم زوجة يوسف وأبيه. ثم يوسف ذاته في نهاية الأمر. وتحول يوسف استس بعدها إلى داعية نشط، يذهب للسجون، ويتحدث في الكنائس كي يعلم أهل الكتاب أن الإسلام دين قريب مما يعتقدون وأن نواحي الاختلاف أقل من نواحي التشابه والتقارب، فيختار الإسلام منهم من أراد
هذه هي القصة، لا أهدف منها لحديث ساذج سطحي عن قصة إسلام واعظ مسيحي أمريكي، ولكني أريد أن ألفت النظر إلى خلق وتصرف هذا المصري الأزهري، وكيفية تعامله مع المختلفين عنه في الثقافة والدين، وكيفية دعوته إلى ما يرى أنه الحق. ثم أسألك أن تقارن ذلك بمنهج من يظنون أنهم يحسنون صنعاً ويدعون إلى الله. هل رأيت كيف تنازل محمد عن الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وقدم على ذلك أن يقيم مع أصدقائه المسيحيين الأمريكيين في بيتهم؟ ثم هل رأيت كيف أنه لم يأنف من هذا الاختلاط الشديد بهم، والعيش في بيتهم والأكل من طعامهم. ثم تأمل معي سعة صدره إذ يستمع إليهم مهما طال حديثهم عن عقيدة هو يعلم تمام العلم أنه لن يتحول إليها، فهو يعلم ما يقولون وما يعتقدون، ومع ذلك يترك لهم الحديث، ويعلق بين الحين والآخر ويقول رأيه، ويترك لهم الحكم دون فرض لرأيه أو تسفيه لما يعتقدون. أحببت أن أعرض هذه القصة لرجل غير مشهور، ولكن أنعم الله عليه بالصبر، وحسن الاستماع، وقبول الاخر وحبه والاختلاط به، وعرض رأيه في هدوء ودون إلحاح، وحسن تقدير الأولويات وإدراك أن هنالك أحياناً ما هو أفضل وأحب إلى الله من الاعتكاف في أواخر رمضان العشر. أليس في ذلك دروس لقوم كثيرين من دعاة العصر المعممين والحافظين للقرآن في تعاملهم مع "الضالين" من أبناء دينهم ومع أتباع المذاهب الأخرى؟
أما يوسف إستس فله مواقع عديدة على الانترنت، وتستطيع مشاهدته وهو يسرد هذه القصة لو أردت على هذا الموقع
ومن مواقعه الأخرى

هناك 3 تعليقات:

mo'men mohamed يقول...

السلام عليكم
لقد ضربت اخى أروع مثال للداعية المعتدل الذى يعلم كيف يجذب الآخرين الى طريق الصواب
وياليت أناس يدركون تلك الكلمات
السلام عليكم

غير معرف يقول...

الحقيقة إن يوسف استس من أكتر الدعاة اللي تركو تأثير جيد على أصدقائي من الأمريكيين اللي بكلمهم عن الإسلام دا كان السبب إني بحب الرجل من غير ما سابق معرفة بيه - محمود

Mohamed Shedou محمد شدو يقول...

mo'men mohamed

هذا الأسلوب الهاديء الموضوعي هو أيضاً أكثر ثمرا، إذ يقال أن جهود يوسف استس وحده مهدت لقبول ما يربو على عشرين ألف أمريكي للإسلام
قارن ذلك بثمار من يحسبون أنهم يدعون إلى الله وهم مثلا كارهون لمن يخالفونهم في العقيدة أو في الرأي أو لمن يدعون بكثرة الكلام والإلحاح الفارغ ...الخ


محمود من المنصورة
شاهد فيديو الرجل يا محمود على الموقع الذي أوردته، ستجد أنه أيضاً رجل خفيف الدم في أحاديثه

على فكرة، أنا أذكر حديثك من قبل عن حواراتك في الدين
لماذا لا تنشر الصالح منها للنشر في مدونة؟

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أرشيف المدونة

مرحباً بالزائرين