الاثنين، فبراير 06، 2006

ولو دفعنا بالتي هي أحسن؟

تابعت الآراء المتعارضة عن رد الفعل الواجب إزاء الرسومات المهينة لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، ما بين مؤيد للمقاطعة ورافض لها. وقد رأيت في كل رأي جانب الصواب فيه وتفهمته وإن كنت لم أتخذ موقفاً واضحاً من الأمر، وكنت أظن أنني لن أكتب عنه بالمرة. حتى لحظات مضت، حين وصلني ما جرى من حرق لسفارة الدانمارك. كان شعوري الأولى هو الرفض لمثل هذا الفعل الهائج الهمجي. وقلت لذاتي ما دفع بهذه الجموع لمثل هذا النوع من ردود الأفعال إلا ما يشعر به أبناء بلداننا من فشل وإحباط في جميع نواحي أوطانهم، ويختلط الإحباط بشعور العجز وظلمة الأفق وخلو النفق من أية بوادر للنور. أمثال ذلك من ردود الفعل المتطرفة لا يكون إلا أحد أبناء اليأس. ألا ترى للإنسان الذي تخلو نفسه من قوة الثقة والإيمان بالذات كيف يثور ويغضب إذا تعرض للإهانة، بينما القوي العالم بقيمته لا ينظر لإهانات الغوغاء إلا بإعراض ولا يرى فيها ما يستحق الثورة أو حتى التفكير. تخيلت أبناء العالم الإسلامي لو كانوا يعيشون عصراً من العلو والقوة والازدهار لو حدث نفس هذا الحدث، هل كانوا سيهتاجون وتمتليء نفوسهم بكل هذه الثورة؟ لا أظن. القوي في خيالي إذا مر به هذا الموقف تحدث إلى المخطي بأدب ولكن بحزم وقوة فأخجله إذ عرفه خطأه وجهله، يعني يوبخهه كما توبخ طفلاً حتى يستحي من نفسه ومن خطأه
لقد تعرض الرسول في حياته للاتهام بأنه مجنون وساحر، ليس في رسم كاريكاتوري ولكن في واقع الحياة ومن أبناء بلده الذين كانوا من قبل يصفونه بالصادق الأمين، بل وتعرض لأذى جسدي وإهانات بالغة لا يكاد يكون الرسم الكاريكاتوري أمامها شيئاً ذا بال. أيهما أقسى، إهانة شخصية مادية للرسول في وجهه وحضوره وفي نفسه وجسده أم رسم مثل ذلك؟ فماذا كان رد فعل الرسول حين عاد قوياً منتصراً إلى من آذوه؟ جميعنا يعلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، فما كان منهم إلا أن اقروا بالحق: أخ كريم وابن أخ كريم. هذا مثل محمد الذي تخلق بالقران: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم
سألت نفسي فكيف يا ترى يكون أحسن رد فعل على ما حدث؟ لو كنت مسؤلاً ماذا كنت بفاعل؟ لقد طرحت اقتراحات عن مواقع تعرف بالرسول وما إلى ذلك، ولا أرى في ذلك في الواقع أية إضافة، فما أكثر المواقع والكتب، وإذا أنشأنا موقعاً، كيف سيجدوه أساساً، وجميعنا يعلم ضخامة الشبكة العنكبوتية. فكرت أننا لو دعونا الرسام ذاته الذي خط هذا الكاريكاتور إلى حوار أو مناظرة، وطلبنا أن يكون الحوار معلناً، وأعلنا قبل الحوار أن من وراء الحوار علمنا بحقيقة الرسول وأن الرسم افتراء طفولي على الحقيقة، ثم حاورنا الرسام وطلبنا منه أن يعلن عما رآه في سيرة محمد مما يعكسه الرسم، ثم عرضنا عليه الحقيقة وراء الحقيقة. ما أدرانا، لعله يعلم ما لم يكن يعلم ويقر بالحق، ألم يسب فولتير كاتب فرنسا الشهير الرسول سباً كريهاً ثم يتراجع عنه بعد ذلك ويعتذر عما بدر منه بعد أن قرأ واطلع؟ ألا يمكن أن يحدث المثل مع هذا الرسام، فيكون في ذلك مكسباً حقيقياً للدين أقوى وأبلغ من أي كلام نقوله نحن. تصور لو أعلن الرسام خطأه وسابق جهله، قارن ذلك بما يعرضه المسلمون الآن من صورة الإسلام عبر ردود فعلهم العنيفة "الحارقة" وتخيل أيهما أكثر خدمة للدين، إذا كان ما نريد هو خدمة الحق حقاً وليس التنفيس عن غضبنا المتراكم عبر أزمان الفشل والقهر السياسي والتخلف الذي أفسد حياتنا. لا أتهم مؤيدي المقاطعة بأي من ذلك، فأنا أتفهم تماماً لوجهة نظرهم بل ولا أنكرها، ولكني أرى أن هناك أفضل كثيراً من ذلك، أن ندفع بالتي هي أحسن، لعل العدو يتحول إلى ولي حميم،
لا أعلم من سوف يقرأ دعوتي هذه، هل يريد أحد أن يشاركني هذه الفكرة المجنونة، أن نصل لهذا الرسام ذاته ونحاوره بالعقل ونطلب منه حجته على تصوير النبي بهذه الصورة، ونقدم له حجتنا؟ وليس علينا بعد ذلك أن يقتنع أو لا يقتنع، فالمهم أن نعلن بعدها نتيجة هذا الحوار، ونرسل بها لجميع الصحف العالمية كأحد ردود الفعل العاقلة من المسلمين، لعلنا بذلك على الأقل نبين أن ردود فعل المسلمين لم تقتصر على الغضب المتشنج وكأنه ليس فينا من يستطيع أن يفكر بهدوء العقلاء الذين يثقون بالله وبأنفسهم ودينهم، والله أعلم وأكبر من جهلهم، ومن سوء حملنا لأمانة الدين

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

هما 12 ؤسام مش رسام واحد و أغلبهم لم يهين الرسول (في رأيي 3 فقط)

و للأسف أشك أن فكرتك ممكن تنجح لأن أكيد الفنانين دول خايفين جدا على روحهم بعد ما شافوا العنف اللي حصل و بعد ما شافوا مظاهرات في بلادهم فيها مسلمين شايلين يفط بتطالب بقطع رؤوسهم و يفط بتهدد بهولوكوست جديد.

و خصوصا أن التهديدات دي أسفرت قبل كده عن قتل فنانين و كتاب في أوروبا.

لكن الفكرة في حد ذاتها مش سيئة خصوصا لو كان عندكم استعداد تتقبلوا الرفض من غير ما تبنوا على أساسه هجوم.

و اللي ممكن تعمله لو عايز تحاول أنك تتصل بالجريدة (هتضطر تستخدم التيلفون لأنهم رفعوا الايميل بتاعهم بسبب سيل رسائل الهجوم) و تعرض عليهم فكرتك بس قوللهم المناظرة هتكون بالايميل عشان يبقى الكلام عملي أكتر

موقع الجريدة http://www.jp.dk

غير معرف يقول...

جميل ماكتيته فهى وحهه نظر جديدة... ولكن التطبيق صعب!!

Lasto-adri *Blue* يقول...

ربنا يعينك على الفكرة دى
بس فى حاجة.. لازم اللى يحاوره من أهل العلم لإن ببساطة أظن إن ثقافة معظم اللى إتحمقوا الدينية -وأعترف منهم أنا- مش قد مستوى نقاش موضوعى وإلا يبقى بنفرج علينا العالم مرة تانية

saadny_architect يقول...

أنا معك فى الفكرة بشرط التأكد من كون هؤلاء لا يعلموا بالفعل من هو رسول الله علم اليقين ...وأن رسوماتهم هذه نتيجة جهل وليس لفتنة مقصودة ومن ورائها ....أمريكا ..اليهود....بوش ...ربما...
وصلنى حالا أثناء كتابة هذا التعليق أن جريدة سويدية كررت المسابقة فى رسوم الكريكاتير ...المسألة ليست مسألة الدينمارك أو النرويج أو فرنسا المسألة أكبر من ذلك بكثير ...ويجب أن ننتبه إلى أن هناك حرب موجهة فى رأيى للإسلام والمسلمين
----------------
الشرط الثانى أن يكون لهؤلاء فكر وعقيدة فعلا يدافعون عنها ولكن بجهل كما تقدم ...حيث ربما واردا جدا أن يكونوا مجرد مرتزقة أرادوا كسب المالى ومن ثم تنتفى الدوافع لمناظرتهم فكريا
----------------
الأمر الأخير بيان فى حالة جهلهم هل هو جهل بمعنى منافى للعلم بالشىء ...أم الجهل الأكبر فى العلم بالشىء مع الإصرار على العناد
وفى هذه الحالة عندما نتذكر
-----------
وجادلهم بالتى هى أحسن
--------------------
يجب أن نتذكر
--------------------
وأعرض عن الجاهلين
--------------------
وأنا مع لست أدرى فى أنه فى حالة جدوى المناظرة يجب أن تكون لأهل العلم
---------------------
أما عن المقاطعة فسبق أن أوردت فيها ردى فى مدونة بنت مصرية
---------------------
ويجب هنا أن أنوه للتذكرة وأنتم أعلم منى بذلك مواقف النبى (ص) بين اللين والشدة وهى كثيرة أذكر منه موقفه مع الأعراب عموما فى أكثر من موقف وكانت كلها فيها لين لما لهؤلاء من جهل من النوع الأول الذى أشرت إليه وهو المنافى للعلم بالشىء
---------
أما مواقفه(ص)فى الشده فكانت مع الجهل من النوع الثانى والذى يحتمل العناد والتكبر مع العلم و الخبث كموقفه (ص)من اليهود الذين خانوا العهد بعد حرب الأحزاب فصدق(ص)معاذ بن جبل عندما حكم عليهم بقل جميع رجالهم مؤكدا أنه حكم الله عليهم
---------------------
والمؤمن فى النهاية كيس فطن

Mohamed Shedou محمد شدو يقول...

علاء

حاولت محاولة سريعة البحث عن بقية الرسومات ولم أجدها، الرسمة الوحيدة المشهورة هي رسمة القنبلة في رأس الشخص المرسوم (الذي هو ليس الرسول في الواقع كما نعلم لذلك فهو مجرد وجه مرسوم بالنسبة لي)

والرسامين فعلا مهددين دلوقتي في حياتهم

اما الاستعداد لتقبل الرفض من غير الرد عليه بالهجوم فده في رأيي أحد قواعد الجدال بالتي هي أحسن، ومن لا يستطيع ذلك فهو مدعي للحوار، فالحوار ليس معناه أن أبدأه بنية إقناع الطرف الاخر

وانا رحت لموقع الجريدة ولاقيت الايميل موجود بس لاقيت الاعتذار اللي نشروه بالعربي والانجليزي، ما زالت الفكرة لم تختمر تماما في ذهني ومدى جدواها وشكل تنفيذها، لو اختمر كل ذلك واتخذ شكلا واضحا قابلا للتنفيذ فيحنها فقط يمكن البدأ في فعل شيء، وربما لا أكون قادرا وحدي على إنضاج الفكرة دون حوار وبحث من عقول مختلفة ومتعددة

عم محمد
ليس التطبيق هو الصعب في رأيي، ولكن الخطة، حينما تكتمل خطة عمل لأي شيء كان يتيسر التطبيق، والخطة هي الغائبة الان في الواقع، والله أعلم

لست أدري
ومن هم هؤلاء العلماء؟ ومن أين نأتي بهم؟ المشكلة ليست أن يكونوا علماء، فما أكثر خريجي الأزهر وما أكثر حاملي العمائم على رؤسهم ومنهم، وربما أكثرهم، من لا يستطيع مثل هذا الحوار، فالحوار مع العقلية الغربية أو مع أي عقلية لا تستند إلى نفس الخلفية التي ينطلق منها المحاور بحاجة إلى عقل قادر على الرؤية الموضوعية حتى وهو يعبر عن رأي شخصي

saadny_architect
وكيف نتأكد أن هؤلاء لا يعلمون من هو رسول الله علم اليقين؟ الحقيقة أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة حقيقة ذلك، ولا يمكن التنجيم بحقيقة نياتهم بناء على شيء آخر في اعتقادي

لا أتفق معك تماما في صلة هذه الرسومات بحرب على الاسلام، والله أعلم طبعا بحقيقة كل شيء ولا أستطيع الجزم بشيء ولا يستطيع غيري أيضاً الجزم بشيء، ولكن لنا التعامل مع الأمور كما هي وليس بناء على ظنون، خاصة أن الرسم يظل في النهاية مجرد رسم، لو كنا أهملناه لذهب إلى زبالة التاريخ والأدب والفن

والحقيقة أحب أن أوضح شيء، ليس الهدف من مثل هذا الحوار إذا حدث هو إقناع الرسام بأي شيء، ولكن الأهم تقديم رد فعل مختلف من جانب المسلمين يطبق الأمر القراني "وجادلهم بالتي هي أحسن"، أما لو أردنا تطبيق أمر الإعراض عن الجاهلين فذلك يكون بإهمال الموضوع تماما يعني لا مظاهرات ولا مقاطعات، على أساس أن ما يقوله الجاهلون جهل لا يستحق التوقف عنده، اما وقد اخترنا رد الفعل، فلابد إذن أن يكون بالتي هي أحسن

أما رد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم الشديد إزاء خيانة اليهود فالأمر جد مختلف، فخيانة اليهود كان من شأنها إيذاء المسلمين في دمهم وأعراضهم ومالهم، وربما مستقبل الدين كله في الحقيقة، لذلك كان رد الفعل قوياً ومناسبا للخيانة، اما رسم كاريكاتوري فلم ولن يؤذي مسلم في دم أو عرض أو مال

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أرشيف المدونة

مرحباً بالزائرين