الخميس، فبراير 14، 2008

قصة نجاح فاشلة

توقفنا في سيرتي الذاتية مع مرحلة التعليم العالي المصرية عند رفض المعهد العالي للغات أن ألتحق بقسم اللغة الفرنسية كما رغبت، واختياري الالتحاق بقسم اللغة الألمانية كبديل. وبالمناسبة لقد اخترت الألمانية لأني أردت تعلم لغة جديدة، ولم أود الالتحاق بقسم اللغة الانجليزية لأني ظننت أنني أعرف من الانجليزية ما يتيح لي مواصلة تعليم نفسي بنفسي إن شئت (والأهم طبعا إن شاء الله وإن أفسح لي كسلي المتأصل طريق الجهد والاجتهاد!).

التحقت فعلا بقسم اللغة الألمانية وبدأنا في دراستها من قواعدها وبداياتها المطلقة! ويبدو أنه في غضون أسبوع أو أسبوعين ظن الجميع أنني "أشطر واحد في الفصل"! وبدأت أكرر سيرتي مع نطق اللغة الفرنسية. لا أذكر من أسماء أساتذة الألمانية الذين علموني في هذه الفترة الوجيزة (سوف تعلم عما قليل لم أصفها بالوجيزة) غير اسم د. طارق عبد الباري، وهو أستاذ في كلية الألسن. أذكر أنه ذات محاضرة بدأ في التركيز على تعليمنا النطق الألماني السليم، فقال لي قرب نهاية المحاضرة: "لديك استعداد ممتاز في النطق". وأذكر استاذاً آخر طلب منا محاولة حفظ مقطع حواري بسيط، وحين أتينا في المحاضرة التالية كنت واحداً ممن خرجوا لتمثيل الحوار، وحين انتهيت قال لي الأستاذ أنني أقترب من كوني ألماني بنسبة تسعين في المائة. قلت في نفسي ليس هذا سيئاً، بعد أسبوعين من الدراسة أقترب من النطق الألماني الأصلي بنسبة تسعين في المائة!

غير أن علاقتي باللغة الألمانية لم يقدر لها أن تطول! فقد اخترت اللغة الفرنسية كلغتي الثانية، وكان من حسن حظي أن تولى دفعتي الأستاذ العزيز د. ياسر شداد، وهو من أساتذة اللغة الفرنسية. كنت قد صرفت النظر عن الالتحاق بقسم اللغة الفرنسية، حتى حدث في أول محاضرة لنا مع د. ياسر أن طلب منا أن نعرف أنفسنا، بالعربية أو بالفرنسية لمن يستطيع. بعد أن تكلمت معرفاً نفسي بالفرنسية، مدح د. ياسر إجادتي للغة، وأضاف أن نطقي أفضل من زملائي خريجي المدارس الفرنسية. أثار ذلك في نفسي من جديد رغبتي في الالتحاق بالقسم الذي لم يرغب في وجودي بين جنباته! ذهبت لدكتور ياسر وأخبرته عن رغبتي، وكان أول رده أن رئيسة القسم وضعت شرطاً صارماً بعدم قبول أي طالب لم يدرس في مدارس فرنسية، حتى لا يعطل بقية الطلبة ولكي يستطيع الجميع متابعة المنهج دون صعوبات شديدة. لكنه اقترح علي أن أحاول مقابلتها والحديث معها.

أتوقف هنا لأقول أنه بعدما تم رفضي في قسم اللغة الفرنسية بداية، تصورت أن مستوى الطلبة الذين يلتحقون به لابد وأنه مرتفع للغاية. كنت قد تعرفت على بعض خريجي المدارس الفرنسية معي في قسم الألماني ووجدت أن مستواهم في اللغة متوسط، ووجدتهم أيضاً يعرضون عن الخوض في حديث طويل بالفرنسية. لكن فكرتي عن قسم اللغة الفرنسية أنهم ولابد مختلفون، لأنني أثناء التقديم وضحت مستواي حينها في اللغة ولم يتم قبولي مع ذلك.

ومن هنا بالتحديد عادت إلي رغبتي في الالتحاق بهذا القسم. كان الدافع الجديد هو رغبتي في وضع نفسي في مناخ شديد التقدم يجبرني على بذل الجهد في الدراسة. كنت أتصور أنني لو التحقت بهذا القسم فسوف أجدني بين زملاء يجيدون اللغة كأهلها، وأنني سوف أجد صعوبة في مجرد مسايرتهم. وطنت نفسي أن التحدي أفضل من مناخ سهل، حتى لو اقتضى الأمر أن أرسب في عامي الأول حتى أستطيع الارتفاع بمستوياي إلى مستوى الدراسة في هذا القسم! كانت هذه الفكرة هي ما أوقد حماسي من جديد، فقد كنت طالباً كسولاً لزمن طويل. وفي دراستي في المراحل السابقة كنت قليل الجهد، قلما أعطي وقتاً للتحصيل. وقلما هنا تعني قلما فعلاً، يعني نادراً. ومع ذلك كان يدهشني أن الأساتذة والزملاء كانوا يعدونني من بين الطلبة المتميزين! بل أحياناً ما كان يضيرني ذلك! لم أكن أشعر أنني أستحقه، وأنا لا أبذل من الجهد ما يجعلني جديراً به. في قسم اللغة الألمانية شعرت أنني سوف أكرر سيرتي الماضية، فالدراسة تبدو يسيرة وفي غضون أسابيع قليلة أصبحت في المقدمة دون جهد.

مع وجود هذا الدافع الجديد، واصلت المحاولة. لم أستطع لقاء رئيسة القسم، فكنت ألتقي ببعض الأساتذة فيه وأحدثهم بأمري، ويتحدثون معي قليلاً تكشفاً لمستوى إجادتي للغة، فيستحسنون ما يسمعون، فأخبرهم أنني لا أستطيع مقابلة رئيسة القسم وأطلب منهم مساعدتي.

ثم ذهبت للعميد. قال لي لو أن أحد أساتذة القسم اختبرني وأقر أنني قادر على الالتحاق، فسوف يكون لي ذلك. ذهبت للتو باحثاً عن أحد فصول اللغة الفرنسية. فوجدت في أحدها د. ياسر شداد مرة أخرى، فطلبت الحديث إليه وأخبرته عما قاله لي عميد المعهد. فوافق على ترشيحي للالتحاق بالقسم، وبالفعل انتظرته حتى أنهى محاضرته، ثم ذهبت معه للعميد، وتم تحويلي لقسم اللغة الفرنسية!

كنت أعلم أن د. ياسر كان يساوره بعض القلق من هذه المسؤلية. فلو اتضح بعد ذلك أنني غير مؤهل لمتابعة الدراسة، فلسوف يكون هو المخطيء. غير أنه أقدم رغم ذلك على هذه المخاطرة! ومن فضل الله أنه لم يندم على ذلك من بعد! وما زلت حافضاً لجميله، وإن لم يتح لي القدر أن يصاحبنا كثيراً، إذ سافر للعمل في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بعد العام الأول. ومن طرائف القدر أنني حينما أتيت للولايات المتحدة، كان هو قد انتقل إلى جنيف، وكنت أحب أن ألقاه في الولايات المتحدة. وما زلت على اتصال به على أحيان متباعدة، اتصالاً أرجو، على قلته، ألا ينقطع.

هذا جانب من جوانب النجاح في القصة. ومازلت هنالك جوانب أخرى للنجاح. لكنني أسميت التدوينة "قصة نجاح فاشلة" لأسباب سوف تعلمها حين أكمل القصة، إن شاء الله.

هناك 9 تعليقات:

Hypatia يقول...

سوف أعيش في النور
وأنشره وأبينه للعالمين
ولن أحول نظري
عما يمكن عمله لكي نحيا في عالم أفضل

الله الله الله

ــــــــــــ
اعتذر لان فاتنى التدونتين اللى فاتو لكن القصيده جميله ما شاء الله وصور الطيور اجمل

ماشاء الله عليك المثابره شئ جميل ولكن الملفت للنظر هو تمسكنا بقولنين على الورق بل وتزمتنا فيها بغض النظر عن الاجاده والكفاءه انت الحمدلله استطعت بتوفيق من الله ان تظهر تميزك وتلتحق بالقسم لكن فيه مئات لو مش الوف ربما كانو افضل من خريجي المدارس الفرنسيه ولكن الروتين المصاحب للعمليه التعليميه عندنا منعهم وحرمهم من اجاده اللغه اللى بيحبوها
فى اعتقادى ان التعليم يجب ان يكون ابعد شئ عن الروتين والتزمت والجمود

تحياتي لدكتور ياسر
:)

Mohamed Shedou محمد شدو يقول...

اهلا يا نسرين

ماذا نقول عن التعليم في مصر
!!!
:)

يعني ما نقدرش نخلص كلام عن جوانب النقص والقصور...الخ الخ
للأسف التعليم عندنا يضيع مواهب كثيرة جدا
وهو أسوأ جوانب التخلف
لأنه مصنع الثروة البشرية
التي بدونها لا يكون تقدم أبدا

غير معرف يقول...

خسرتك اللغة الألمانية، يا محمد :)
د. طارق عبد الباري من الأساتذة القليلين الممتازين

في انتظار بقية القصة

تحياتي من الضفة الأخرى للأطلنطي!

محمود

Rain_Drops يقول...

bas ma2oltesh ; Wie findest du Deutsch ? :d

Mohamed Shedou محمد شدو يقول...

محمود ابن فطومة

خسرتني الالمانية ولم تكسبني الفرنسية يا محمود
فقد وجدت نفسي في النهاية أعيش في بلد ناطق بالانجليزية
:)

ان شاء الله ربنا يعين ونكمل القصة قريبا وننظر أيضاً في الدلالات والدروس

Mohamed Shedou محمد شدو يقول...

د. محمود باشا

يا عم دول هم اسبوعين في الماني وانا خلاص نسيت كل اللي اتعلمته فيهم
:)

عموما الالمانية برضه من اللغات اللي نفسي اتعلمها
وانا عندي كتب تعليم الماني لسه ما فتحتهاش طبعا
:)

بس الالمانية لغة قوية ونطقها مميز وعشان كده انا ممكن احبها لو اتعلمتها
غير طبعا ان الثقافة نفسها ثقافة مهمة وانا احب اعرفها مباشرة دون حواجز

Mohamed Shedou محمد شدو يقول...

محمود ابن فطومة تاني

صحيح انت ما دام تعرف د. طارق يبقى انت كنت ألسن
تعرف اي حد من قسم الفرنساوي، الاساتذة يعني؟
ويا ترى ايه أخبار الدراسة في المانيا؟

Unknown يقول...

صديقي وأخي العزيز محمد،
لقد أسعدني الحظ اليوم بالاطلاع على هذه الصحفة التي بلغتها عن طريق الصدفة.
أود أن أعرب لك مرة أخرى عن سعادتي البالغة بصداقتك. فقد أصبح الصدق والإخلاص والوفاء في هذه الأيام عملة نادرة.
كما أود أن أطلع قراء مدونتك على حقيقة لا ريب فيها: لم يكن لي أي فضل في قبول محمد في قسم اللغة الفرنسية. وإنما يرجع كل الفضل لإصراره ومثابرته وإخلاصه. وقد سخرني الله لتحقيق رغبته الصادقة التي لم يكن يبغي بها سوى العمل الجاد والتحدي الصعب والنجاح المستحق.
لك مني يا محمد كل التحية والتقدير والعرفان.
ياسر شداد

Mohamed Shedou محمد شدو يقول...

د. ياسر شداد

ما أسعدني يا أستاذنا العزيز بزيارتك وتعليقك على ما كتبت
مفاجأة غير متوقعة وجميلة
:)

ومن أسف ان الحظ لم يتح لي ان أكون معك أكثر من عام واحد
وأتمنى أن أراك قريبا ان شاء الله

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أرشيف المدونة

مرحباً بالزائرين