الجمعة، نوفمبر 09، 2007

احتراق مصر

في مصر قليل هم من يحصلون من وظائفهم على مرتب وفير ومال كثير، يقضي حاجاتهم بيسر ويفيض عليهم وعلى أهلهم. ويزداد العسر لو كان الرجل عائلاً لأسرة. ركز معايا: نسبة من يجنون مالاً يكفيهم قليلة. فلننظر الآن في جانب آخر من حياة المصريين، وهو عادة قبيحة خالية من المعنى، تهدم ولا تبني. تحرق المال وأجسام الرجال. وما دمنا قد ذكرنا الاحتراق فأغلب الظن أن القاريء قد فطن لما أرمي إليه وما أعنيه. فأنت تجد كثيراً من الشباب العامل يكاد ما يجنيه لا يكفيه لضرورات عيشه، ومع ذلك ينفق على السجائر عشرات الجنيهات كل شهر، وينفق مع كل سيجارة بعضاً من صحته ومن نظافة نفسه (بفتح النون والفاء، أو تسكين الفاء، كلاهما يفي بالمعنى!).

والآن، ما هي نسبة المدخنين في مصر؟ كبيرة كما تعلم وترى. فتكون محصلة المعادلة المختلة هي أن معظم المدخنين في مصر ينفقون على الدخان ويحرمون الإنسان: أنفسهم وأهلهم! إن إيذاء المرء لذاته رفاهة لا يتحملها حال الفرد ولا حال الجماعة في بلادنا. وعشرات الملايين التي تنفق على الضرر كل عام، وربما كل شهر، كان أجدى بها أن تذهب في مصارف أخرى أنفع وأبقى. ولو حسب المدخن ما أنفق من مال على إيذائه لنفسه في عام واحد لراعه حجم خسارته، ولتحسر لو تفكر في حاله لو كان هذا المال تحت تصرفه حين تضيق عليه الحاجة.

لو أنك تدخن أقترح عليك أن تسعى نحو الوعي بحقيقة العادة والنظر إليها في وجهها. ابدأ بأن تحصر تماماً حجم ما تحرقه من تبغ ومن مال يوماً بعد يوم. يعني مجرد تشخيص للواقع. افعل ذلك لمدة شهر. في الشهر الثاني حاول أن تلجأ لوعيك الشخصي ومعرفتك بنفسك، لكي تدلك على ما يمكن أن تفعله نحو إنقاذ نفسك من سجن العادة. اطرح على عقلك هذا السؤال كل يوم: ما الذي يمكن أن تفعله نحو تحرير نفسك من التدخين؟ اسأل فقط واستمع لذاتك لمدة شهر، ولا تفكر في فعل أي شيء. في نهاية الشهر الثاني سوف يكون لديك العديد من الأفكار التي أتتك من أعماق عقلك، لا من ناصح خارج عن نفسك. في الشهر الثالث خصص دقيقة كل يوم على الأقل لتخيل نفسك وأنت تقوم بهذه الخطوات، ذلك شهر أحلام اليقظة! وفي الشهر الرابع والخامس وما يليه، خصص كل شهر للقيام بخطوة واحدة من التي تفتق عنها عقلك من أجلك، كل يوم. هذه وصفتي للتخلص الذاتي من العادة القبيحة!

الحق أنني لم أبدأ هذه التدوينة وفي نيتي أن أقدم اقتراحاً لـ "للتطوير الذاتي"، وإنما قادني إليه الحديث وكتاب أقرأه الآن عن منهج التغيير عن طريق خطوات صغيرة وبسيطة ولكن مستمرة، ويبدو أنني أردت أن أفكر كيف أطبقه في هذا الشأن. أولسنا نعرض المشكلة حين نعرضها لضيقنا بها ورغبتنا في إزاحتها من طريق سعينا وحياتنا؟! فليكن في حديثنا إذن عن المشاكل بعض من تحسس الدواء.

ليست هناك تعليقات:

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أرشيف المدونة

مرحباً بالزائرين