الأحد، مايو 14، 2006

الحوار مع الآخر

من كتب مصطفى محمود الشهيرة "حوار مع صديقي الملحد". قرأته منذ سنين طويلة، والكتاب في حد ذاته لم يترك في نفسي أثراً باقياً، غير أن ما علق منه بذاكرتي دائما هو عنوانه. في الكتاب يحاور مصطفى محمود نفسه، أو تفكيره الماضي، ويرد على ماضيه بفكره الأحدث وقت كتابة الكتاب. كنت أود أنا حواراً حقيقياً مع ملحد "آخر" غير ذات المحاور، من وحي ظني أن العقلاء من الناس لابد وأنهم قادرين على الاتفاق على أساسيات معينة مهما اختلفت مذاهبهم. وكانت أول فرصة فعلية أتيحت لي حين حصلت بالصدفة البحتة على عمل في المركز الثقافي الفرنسي بالمنيرة بعد تخرجي. كان من عينني رجلاً فرنسياً من أصل إيطالي. بعد أن عملت معه لفترة وجيزة أصبحنا أصدقاء. كان "ألان" ملحداً، ولكني كنت أشعر أنه ملحد مؤمن، ربما لما شعرت به من طيبته ومن حبه لمساعدة الناس أيضاً. كانت له معي أنا شخصياً مواقف أحفظ له جميله فيها، حيث لم تكن له أي مصلحة شخصية تذكر. كان ألان زورزوتي، هذا اسمه، ملحداً إذن، وكانت لنا في بعض الأحيان حوارات طويلة في الدين، أطولها كان حين زرته في بيته حينها وقضيت معظم اليوم معه، وكان جل حديثنا حينها عن الدين، لا سيما الدين الإسلامي. كانت نتيجة الحوار وما ذكرته له من رؤيتي للدين الإسلامي مدعماً بما أعرف من آيات وخلافه قوله أنه قد عاش في بلاد إسلامية لسنوات، ولم ير أي مصداق لما أقول. سألني وكيف أفسر إذن أنه لا يوجد بلد إسلامي واحد، بلد واحد، فيه ديموقراطية حقيقية أو عدل. قلت له أنني أتكلم عن الإسلام النظرية، عن المنهج وليس عن تطبيق الناس له. ولكن رأيه كان أنه ينظر إلى النتائج، وهو لم ير أي مصداق لذلك في أخلاق المسلمين حين عاش في بلد مسلمة مختلفة، أما ما أقوله فهو في رأيه راجع لاختلافي أنا شخصياً: "أنت تعلم تماما أنك إنسان مختلف، لذلك لن أقتنع أن ما تقول هو الإسلام حقاً، ولكن ما تقول هو أنت، أما الإسلام فهو ما أراه في غالبية المسلمين وفي حال البلاد المسلمة:/ هكذا أنهى حديثه. لم أكن في حواري معه بصدد محاولة ساذجة لهدايته إلى الإسلام مثلا، ولكنها محاولة إحقاق للحق وكشف له على قدر المستطاع. غير أنني كنت متفهماً تماما لوجهة نظره، وهو أن النتيجة العملية هي ما يعول عليه فعلا عند اتخاذ الأحكام. ولن نستطيع مطالية جميع من يتأمل حال مئات الملايين من المسلمين أن يفترض أنهم يخالفون في الواقع حقيقة ما يؤمنون به
كانت تلك إذن أولى تجاربي في حوار حقيقي مع الآخر المختلف، ولكنيي والله يشهد في هذه التجربة وما يليها لم أشعر أنني بالفعل أمام آخر مختلف، بل دائما ما شعرت بما يربطنا ويوحدنا كبشر، لا سيما حين كنت أرى التوافق الكامن تحت الاختلاف الظاهر
كانت لي بعدها تجارب أخرى غير كثيرة. قبل أن أترك مدينة إثاكا الصغيرة في شمال ولاية نيويورك وأنتقل إلى ولاية فلوريدا في أقصى الجنوب، حيث لأ أعرف إلا عددا محدودا من الأصدقاء، قررت إجراء حوار حقيقي مع من أستطيع. وقمت بالفعل بإجراء حوار وسجلته مع ميكيلا، الشابة الأمريكية التي تحدثت عنها من قبل في مدونتي. قريبا بإذن الله سوف أنشر هذا الحوار هنا، وقد أحاول نشر ما أذكر من حوارات أخرى ذات دلالة من الذاكرة. قريباً إذن بمشيئة الله انتظروا حواراً مع شابة أمريكية يقربنا ولو خطوة ممن نظن أنه الآخر

ليست هناك تعليقات:

تابع جديد المدونة على بريدك الالكتروني

أرشيف المدونة

مرحباً بالزائرين